كلما جاء ذكر حرب 94 لمعت في راسي صور رهيبة.. رهيبة جدا حد عدم رغبتي في كتابتها.. تستحضر أنفي روائح حادة.. دم وعرق وتراب وملح.. حِدة خاصة موسومة ب94.. هل تحتفظ ذاكرتك براحة للملح او ربما للدموع؟؟!!

عبير بدر
الصرخات.. كان الناس يتحدثون بالصراخ.. يسألون بالصراخ.. يطمئنون عن بعضهم بالصراخ..
في منتصف الليل يسمع والدي قصفاً.. يجذبنا اليه.. يغطينا بجسده خوفاً من شيء ما.. لم نكن نفهم بالضبط مايحدث لكننا نلتزم الصمت والترقب.. كنا نسمع انفاسنا.. ونشعر بضربات قلب والدي ووالدتي..
كنا حينها بمدينة المنصورة.. جارنا فنان (لا اتذكر اسمه) بعد انتهاء كل غارة.. يشتم القاصفون (يعرعر لهم) على إيقاضهم له من نومه.. يأخذ العود ويبدأ العزف والغناء.. يتحرك الجيران لا إراديا.. كما كنا نفعل.. نحو أنغامه.. فيزدحم بيته على آخره، يكمل باقي الجيران حضور حفلته الطارئة واقفين او جالسين على سلم البناية.. كانت هذه الفقرة الفنية من أساسيات ليالي القصف..
مع الساعات الأولى لحرب 2015.. مع أولى ضربات القصف.. سرت ببدني قشعريرة عجيبة.. وكأن للبدن أيضاً ذاكرة.. بمجرد سماعي إعلان الحرب.. حرب حرب؟! مرت أمامي كل المشاهد والروائح والصرخات.. يوميات 94.. بكيت بكاءاً طويلاً.. دون وعي.. دون رغبة لتكذيب شيء.. او استيعاب شيء.. دون حتى خوف.. شعرت أني مُت.