بعد إنسحاب جماعة أنصار الله و قوات علي عبدالله صالح عفاش من الجنوب ، و سيطرة المقاومة الجنوبية على عدن و المحافظات الغربية من الجنوب ، شعرنا نحن الجنوبيون أننا تخلصنا أخيرا من نظام عفاش الذي غدر بالوحدة و احتل الجنوب في عام ١٩٩٤م و اقصى الجنوبيين . و ان كل ما نحتاجه – بعد السيطرة العسكرية على الارض – هو تسليم السلطة المحلية و مؤسسات الدولة في محافظات الجنوب للقوى الوطنية الجنوبية ، و ايجاد حل سياسي لما حدث في عام ١٩٩٤م من نقض للوحدة .

طرح البعض حينها اعادة قيام الدولة الجنوبية و فك الارتباط مع الجمهورية العربية اليمنية ، و هذا المطلب هو ما يطالب به أغلبية الشارع الجنوبي ، لكن هذا المطلب قوبل بالرفض من قبل التحالف السعودي الاماراتي بحجة : أن التحالف لن يسمح بتقسيم اليمن في ظل وجوده ؛ لان ذلك سوف يجعل القوى الشمالية التي تقاتل انصار الله و عفاش ينظمون اليهم ، كما ان فك الارتباط سوف يجعل التحالف متهما من قبل القوى العربية بتدخله في اليمن لتقسيم اليمن .
و طراح البعض – أنا واحد من هؤلاء – اعادة قيام الدولة الجنوبية ؛ كونها مطلب اغلبية الشارع الجنوبي ، و إقامة وحدة كونفدرالية بين دولتي الجنوب و العربية اليمنية ؛ حتى نعطي للوحدة فرصة أخرى بعد سقوط نظام عفاش . لكن هذا الطرح قوبل بالرفض بحجة : ان التحالف لن يقبل باي مشاريع غير تطبيق ما إتفق عليه اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني ، الذي حول اليمن لاتحاد فدرالي من ستة أقاليم ، وقسم الجنوب الى إقليمن ( عدن و حضرموت ). بالرغم من أن أغلب القوى الوطنية الجنوبية رفضت الاشتراك في المؤتمر .
عندها قلنا باننا موافقين على الفدرالية ، و اشترطنا دمج الاقليمين الجنوبيين في اقليم واحد ، و تسليمه للقوى الوطنية الجنوبية ، خصوصا أن مؤتمر الحوار أقر باحقية اي اقليمين بالاندماج في اقليم واحد ، بعد ثلاث سنوات من إعلان الاقاليم . لكن ذلك قوبل بالرفض أيضا .
طالبنا بعدها باعلان الاقاليم و تسليم الاقليمين الجنوبيين للقوى الوطنية الجنوبية و تطبيق مخرجات الحوار . لكن ذلك قوبل بالرفض ايضا . و ادعى البعض أن السعودية ترفض تسلم الحراك الجنوبي للجنوب ، و تعتبره امتدادا للحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم الجنوب قبل الوحدة و يناصبها العداء .
فطرحنا حينها أن يتم تسليم الجنوب للتيار السلفي المشارك في الحراك الجنوبي . و قوبل هذا الامر بالرفض أيضا .
كان اخر ما طرحناه هو تسليم مؤسسات الدولة و السلطة المحلية للقوى الوطنية الجنوبية ، و ازاحة رجال عفاش الذين كانوا يسيطرون على ٩٠٪ من مؤسسات الدولة في الجنوب ، و هو امر قد وافقت عليه الدولة اليمنية بعد الهبة الشعبية الجنوبية ، و التزمت بتنفيذه . خصوصا أن عفاش اصبح انقلابي و معادي للتحالف . لكن هذا الطرح قوبل بالرفض كغيره ، و أصر التحالف على بقاء سيطرة رجال عفاش – الذي كان يحارب التحالف صوريا حينها – على الجنوب ، و إقصاء القوى الوطنية و الثورية من المشهد .
كنا ندرك حينها أن السعودية و الامارات هما دولتان معاديتان لكل ثورة و كل حركة و طنية في المنطقة ، و أنهما تعملان على اعادة نظام عفاش للحكم بعد أن أسقطته الثورة . لكن كنا نعول على تماسك قوى الحراك الجنوبي و المقاومة الجنوبية في تحقيق مطالبنا المشروعة .
في تلك الفترة خرجت تسريبات تقول بان السعودية و الامارات اتصلت بقاده اكبر فصيل في الحراك ، و ابلغتهم بان علي عبدالله صالح عفاش هو رجلهم الاول في اليمن ، و لن تسمح الا باعادته و اعاده نظامه للحكم . و أن كل ما هو متاح لهذا الفصيل و الجنوبيين هو إشراكهم في الاجهزة الامنية و تسليمهم بعض الحقائب الوزارية مقابل عدد من الشروط و هي : ١- التحالف مع عفاش و رجاله في الجنوب و الخضوع لاوامرهم . ٢- إنهاء العمل الثوري ، و تحويل الحراك الجنوبي لحزب سياسي ، يدخل في تسوية سياسية لاحقا مع المؤتمر الشعبي العام (حزب عفاش) . ٣- اقصاء كافة القوى الإسلامية في الحراك الجنوبي ، و العمل على إحتواء بقية قوى الحراك الجنوبي و المقاومة الجنوبية ، و ضرب من يصعب إحتوائه بحجة أنه أرهابي . ٤- المشاركة في قتال القوى الوطنية في الشمال (حزب الاصلاح – انصار الله) ، و المشاركة في الدفاع عن حدود المملكة ، و ضرب القوى الاسلامية الجنوبية (الاخوان – السلفيين) بحجة مكافحة اللرهاب . ٥- الاعتراف بالكيان الصهيوني ، و السماح بعودة اليهود اليمنيين الذين إستوطنوا في فلسطين المحتلة الجنسية اليمنية مع إحتفظهم بجنسية الكيان الصهيوني ، و تعويضهم عن ممتلكاتهم التي باعوها عند انتقالهم لفلسطين، و إشراكهم في العملية السياسية .
لم اصدق حينها ما وصل الي من تسريبات من أكثر من مصدر ، و إعتبرتها إشاعات تبثها اجهزة المخابرات من أجل تفكيك قوى الحراك الجنوبي . لكن مسلسل الاحداث الذي جرى في الجنوب بعد ذلك جعلني أتيقن من صحة هذه التسريبات .
رامي غالب الكثيري